فصل: قال ابن كثير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (82):

قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم وصل بذلك دلالة على أنه لا علم لهم أصلًا ليخبروا عما سئلوا عنه قولَه مستأنفًا: {الذين آمنوا} أي أوجدوا هذا الفعل {ولم} أي وصدقوا دعواهم بأنهم لم {يلبسوا إيمانهم} أي يخالطوه ويشوبوه {بظلم}.
ولما كان المعنى: أحق بالأمن، عدل عنه إلى قوله مشيرًا إليهم بأداة البعد تنبيهًا على علو رتبتهم: {أولئك لهم} أي خاصة {الأمن} أي لما تقدم من وصفهم {وهم مهتدون} أي وأنتم ضالون، فأنتم هالكون لإشرافكم على المهالك وتفسيرُ النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرج الشيخان والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لهذا الظلم المطلق في قوله تعالى: {بظلم} بالشرك الذي هو ظلم موصوف بالعظم في قوله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13] تنبيه للصحابة رضوان الله عليهم على أن هذا التنوين للتعظيم، ولأنهم أهل اللسان المطبوعون فيه صفوا بذلك واطمأنوا إليه، ولا شك أن السياق كله في التنفير عن الشرك، وأنه دال على الحث على التبريء عن قليل الشرك وكثيره، فآل الأمر إلى أن المراد: ولم يلبسوا إيمانهم بشيء من الشرك، فالتنوين حينئذٍ للتحقير كما هو للتعظيم، فهو من استعمال الشيء في حقيقته ومجازه أو في معنيه المشترك فيهما لفظه معًا- والله أعلم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ}.
هذا من تمام كلام إبراهيم في المحاجة، والمعنى: أن الذين حصل لهم الأمن المطلق هم الذين يكونون مستجمعين لهذين الوصفين: أولهما: الإيمان وهو كمال القوة النظرية.
وثانيهما: {وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ} وهو كمال القوة العملية.
ثم قال: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} اعلم أن أصحابنا يتمسكون بهذه الآية من وجه والمعتزلة يتمسكون بها من وجه آخر.
أما وجه تمسك أصحابنا فهو أن نقول إنه تعالى شرط في الإيمان الموجب للأمن عدم الظلم، ولو كان ترك الظلم أحد أجزاء مسمى الإيمان لكان هذا التقييد عبثًا، فثبت أن الفاسق مؤمن وبطل به قول المعتزلة، وأما وجه تمسك المعتزلة بها فهو أنه تعالى شرط في حصول الأمن حصول الأمرين، الإيمان وعدم الظلم، فوجب أن لا يحصل الأمن للفاسق وذلك يوجب حصول الوعيد له.
وأجاب أصحابنا عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن قوله: {وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ} المراد من الظلم الشرك، لقوله تعالى حكاية عن لقمان إذ قال لابنه: {يا بنى لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] فالمراد هاهنا الذين آمنوا بالله ولم يثبتوا لله شريكًا في المعبودية.
والدليل على أن هذا هو المراد أن هذه القصة من أولها إلى آخرها إنما وردت في نفي الشركاء والأضداد والأنداد، وليس فيها ذكر الطاعات والعبادات، فوجب حمل الظلم هاهنا على ذلك.
الوجه الثاني: في الجواب: أن وعيد الفاسق من أهل الصلاة يحتمل أن يعذبه الله، ويحتمل أن يعفو عنه، وعلى كلا التقديرين: فالأمن زائل والخوف حاصل، فلم يلزم من عدم الأمن القطع بحصول العذاب؟ والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلمٍ}.
في الظلم هاهنا قولان:
أحدهما: أنه الشرك، قاله ابن مسعود، وأُبَيّ بن كعب، روى ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية شق على المسلمين فقالوا: ما منَّا من أحد إلا وهو يظلم نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيسَ كَمَا تَظُنُّونَ، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لَقْمَانُ لابْنِه» {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الْشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
والثاني: أنه سائر أنواع الظلم.
ومن قال بهذا اختلفوا في عمومها وخصوصها على قولين:
أحدهما: أنها عامة.
والثاني: أنها خاصة.
واختلف من قال بتخصيصها فيمن نزلت على قولين:
أحدهما: أن هذه الآية نزلت في إبراهيم خاصة وليس لهذه الأمة منها شيء، قاله علي كرّم الله وجهه.
والثاني: أنها فيمن هاجر إلى المدينة، قاله عكرمة.
واختلفوا فيمن كانت هذه الآية جوابًا منه على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه جواب من الله تعالى فصل به بين إبراهيم ومن حَاجّه من قومه، قاله ابن زيد، وابن إسحاق.
والثاني: أنه جواب قومه لما سألهم {أَيُّ الْفَرِيقَينِ أَحَقُّ بِالأمْنِ}؟ فأجاوبا بما فيه الحجة عليهم، قاله ابن جريج.
والثالث: أنه جواب إبراهيم كما يسأل العالم نفسصه فيجيبها، حكاه الزجاج. اهـ.

.قال أبو حيان:

{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}.
الظاهر أنه من كلام إبراهيم لما استفهمهم استفهام عالم بمن هو الآمن وأبرزه في صورة السائل الذي لا يعلم استأنف الجواب عن السؤال، وصرح بذلك المحتمل فقال: الفريق الذي هو أحق بالأمن هم الذين آمنوا، وقيل: هو من كلام قوم إبراهيم أجابوا بما هو حجة عليهم، وقيل: هو من كلام الله أمر إبراهيم أن يقوله لقومه أو قاله على جهة فصل القضاء بين خلقه وبين من حاجه قومه، واللبس الخلط و{الذين آمنوا}: ابراهيم وأصحابه وليست في هذه الأمة قاله علي وعنه ابراهيم خاصة أو من هاجر إلى المدينة، قاله عكرمة أو عامة قاله بعضهم وهو الظاهر، والظلم هنا الشرك قاله ابن مسعود وأبيّ، وعن جماعة من الصحابة أنه لما نزلت أشفق الصحابة وقالوا: أينا لم يظلم نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما ذلك كما قال لقمان: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}» ولما قرأها عمر عظمت عليه فسأل أبيًا فقال: إنه الشرك يا أمير المؤمنين فسرى عنه وجرى لزيد بن صوحان مع سلمان نحو مما جرى لعمر مع أبيّ، وقرأ مجاهد: {ولم يلبسوا إيمانهم} بشرك ولعل ذلك تفسير معنى إذ هي قراءة تخالف السواد، وقال الزمخشري: أي لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس انتهى، وهذه دفينة اعتزال أي إن الفاسق، ليس له الأمن إذا مات مصرًا على الكبيرة، وقوله: وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس هذا رد على من فسر الظلم بالكفر، والشرك وهم الجمهور وقد فسره الرسول صلى الله عليه وسلم بالشرك فوجب قبوله ولعل الزمخشري لم يصح له ذلك عن الرسول، وإنما جعله يأباه لفظ اللبس لأن اللبس هو الخلط فيمكن أن يكون الشخص في وقت واحد مؤمنًا عاصيًا معصية تفسقه، ولا يمكن أن يكون مؤمنًا مشركًا في وقت واحد {ولم يلبسوا} يحتمل أن يكون معطوفًا على الصلة ويحتمل أن يكون حالًا دخلت واو الحال على الجملة المنفية بلم كقوله تعالى: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} وما ذهب إليه ابن عصفور من أن وقوع الجملة المنفية بلم قليل جدًا وابن خروف من وجوب الواو فيها وإن كان فيها ضمير يعود على ذي الحال خطأ بل ذلك قليل وبغير الواو كثير على ذلك لسان العرب، وكلام الله، وقرأ عكرمة: {ولم يلبسوا} بضم الياء ويجوز في {الذين} أن يكون خبر مبتدأ محذوف وأن يكون خبره المبتدأ والخبر الذي هو {أولئك لهم الأمن} وأبعد من جعل لهم الأمن خبر الذين وجعل {أولئك} فاصلة وهو النحاس والحوفي. اهـ.

.قال ابن كثير:

{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} أي: هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك، له، ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة.
قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابن أبي عَدِيّ، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قال أصحابه: وأينا لم يظلم نفسه؟ فنزلت: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عَلْقَمَة، عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شق ذلك على الناس وقالوا: يا رسول الله، فأينا لا يظلم نفسه؟ قال: «إنه ليس الذي تعنون! ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} إنما هو الشرك».
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع وابن إدريس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس كما تظنون، إنما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}».
وحدثنا عمر بن شَبَّةَ النمري، حدثنا أبو أحمد، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قال: «بشرك».
قال: ورُوي عن أبي بكر الصديق، وعمر، وأُبيّ بن كعب، وسلمان، وحذيفة، وابن عباس، وابن عمر، وعمرو بن شرحبيل، وأبي عبد الرحمن السُّلَمِي، ومجاهد، وعِكْرِمة، والنَّخَعِي، والضحاك، وقتادة، والسُّدِّي نحو ذلك.
وقال ابن مَرْدُوَيه: حدثنا الشافعي، حدثنا محمد بن شَدَّاد المِسْمَعِيّ، حدثنا أبو عاصم، حدثنا سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قيل لي: أنت منهم».
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف، حدثنا أبو جَناب، عن زاذان، عن جرير بن عبد الله قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما برزنا من المدينة، إذا راكب يوضع نحونا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كأن هذا الراكب إياكم يريد». فانتهى إلينا الرجل، فسلم فرددنا عليه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «من أين أقبلت؟» قال: من أهلي وولدي وعشيرتي. قال: «فأين تريد؟»، قال: أريدُ رسول الله. قال: «فقد أصبته». قال: يا رسول الله، علمني ما الإيمان؟ قال: «تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت». قال: قد أقررت. قال: ثم إن بعيره دخلت يده في جحر جُرْذَان، فهوى بعيره وهوى الرجل، فوقع على هامته فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «علي بالرجل». فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان فأقعداه، فقالا يا رسول الله، قبض الرجل! قال: فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما رأيتما إعراضي عن الرجل، فإني رأيت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنة، فعلمت أنه مات جائعا»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا من الذين قال الله، عَزَّ وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}» ثم قال: «دونكم أخاكم». قال: فاحتملناه إلى الماء فغسلناه وحنطناه وكفناه، وحملناه إلى القبر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على شَفِير القبر فقال: «الحدوا ولا تشقوا، فإن اللحد لنا والشق لغيرنا».
ثم رواه أحمد عن أسود بن عامر، عن عبد الحميد بن جعفر الفراء، عن ثابت، عن زاذان، عن جرير بن عبد الله، فذكر نحوه، وقال فيه: «هذا ممن عَمل قليلا وأجر كثيرًا».
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يوسف بن موسى القطان، حدثنا مِهْران بن أبي عمر، حدثنا علي بن عبد الأعلى عن أبيه، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ساره، إذ عرض له أعرابي فقال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، لقد خرجت من بلادي وتلادي ومالي لأهتدي بهداك، وآخذ من قولك، وما بلغتك حتى ما لي طعام إلا من خَضِر الأرض، فاعْرِضْ عَلَيّ. فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبل فازدحمنا حوله، فدخل خف بَكْره في بيت جُرْذَان، فتردى الأعرابي، فانكسرت عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق والذي بعثني بالحق، لقد خرج من بلاده وتلاده وماله ليهتدي بهداي ويأخذ من قولي، وما بلغني حتى ما له طعام إلا من خضر الأرض، أسمعتم بالذي عمل قليلا وأجر كثيرا هذا منهم! أسمعتم بالذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون؟ فإن هذا منهم وروى ابن مَرْدُوَيه من حديث محمد ابن معلى- وكان نزل الري- حدثنا زياد بن خيثمة عن أبي داود عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعطي فشكر ومنع فصبر وظلم فاستغفر وظلم فغفر» وسكت، قالوا: يا رسول الله ما له؟ قال: {أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{الذين آمَنُواْ} استئنافٌ من جهته تعالى مبينٌ للجواب الحقِّ الذي لا محيدَ عنه أي الفريقُ الذين آمنوا {وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم} ذلك أي لم يخلِطوه {بِظُلْمٍ} أي بشركٍ كما يفعلُه الفريقُ المشركون حيث يزعُمون أنهم يؤمنون بالله عز وجل وأن عبادتَهم للأصنام من تتماتِ إيمانهم وأحكامِه لكونها لأجْل التقريبِ والشفاعة كما قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} وهذا معنى الخلْطِ {أولئك} إشارةٌ إلى الموصول من حيث اتصافُه بما في حيز الصلة، وفي الإشارة إليه بعدَ وصْفِه بما ذُكر إيذانٌ بأنهم تميَّزوا بذلك عن غيرهم، وانتظموا في سلك الأمورِ المشاهَدة، وما فيه من معنى البُعد للإشعار بعُلوِّ درجتِهم وبُعدِ منزلتهم في الشرف، وهو مبتدأ ثانٍ، وقولُه تعالى: {لَهُمُ الأمن} جملة من خبرٍ مقدمٍ ومبتدأ مؤخَّرٍ وقعت خبرًا لأولئك، وهو مع خبره خبرٌ للمبتدأ الأول الذي هو الموصول، ويجوز أن يكونَ {أولئك} بدلًا من الموصول أو عطفَ بيانٍ له، ولهم خبرًا للموصول، والأمنُ فاعلًا للظرف لاعتماده على المبتدأ، ويجوز أن يكون لهم خبرًا مقدمًا، والأمنُ مبتدأً والجملةُ خبرًا للموصول، ويجوز أن يكون أولئك مبتدأً ثانيًا {لهم} خبره والأمن فاعلًا له، والجملة خبرًا للموصول، أي أولئك الموصوفون بما ذُكر من الإيمان الخالصِ عن شَوْب الشرك لهم الأمنُ فقط {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} إلى الحق، ومَنْ عداهم في ضلال مبين. روي أنه لما نزلت الآيةُ شقَّ ذلك على الصحابة رضوانُ الله عليهم وقالوا: أينا لم يظْلِمْ نفسه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «ليس ما تظنون، إنما هو ما قال لقمانُ لابنه: يا بني لا تُشرِكْ بالله إن الشرْكَ لظُلم عظيم» وليس الإيمانُ به أن يُصَدِّقَ بوجود الصانعِ الحكيم ويخلِطَ بهذا التصديق الإشراكَ به، وليس من قضية الخلطِ بقاءُ الأصلِ بعد الخلطِ حقيقةً، وقيل: المرادُ بالظلم المعصيةُ التي تُفسِّق صاحبَها، والظاهرُ هو الأولُ لوروده موردَ الجواب عن حال الفريقين. اهـ.